ضع اعلان هنا

اخر الأخبار

أسباب للبقاء حيًّا: مريض اكتئاب يروي رحلته

 قبل أن نعرف من هو “مات هيغ” صاحب كتاب اليوم “أسباب للبقاء حياً” وما هو عمله، يجب أن نعلم أن هذا الكتاب هو سرد تجربة صعبة قد مر بها، فهذا الكتاب ليس رواية وليس سيرة ذاتية شاملة، بل هو سرد معاناة شخص مع مرض مخيف. إنها تجربة ملهمة وكتاب يرينا الكثير من الجوانب المخفية لحياة مريض بالاكتئاب. إن الاكتئاب مرض غامض، تتشابه أعراضه مع الحزن العميق أو الإرهاق أو حتى القلق العابر.

يعاني الكثيرون من هذا المرض الغامض دون أن يعرفوا، كما يعاني أيضًا الكثيرون دون أن ينتبه الأهل والأصدقاء، وهناك من المقربين من ينكر مرض الاكتئاب، فيتعامل مع المريض على أنه إنسان كسول، غير فعّال ومنتج في المجتمع، كما يمكن أن يتم اتهام المريض باتهامات أسوأ.

أما عن المريض الشجاع، فهو مات هيغ، كاتب عمره (45) عامًا، بريطاني الجنسية، يكتب للأطفال والكبار، وتسجل كتبه أعلى المبيعات، ترجم له كتاب آخر تحت عنوان “ملاحظات حول كوكب متوتر“، وفي الفترة القادمة يتوقع أن يتم ترجمة الكثير من كتبه التي تتحدث عن مواضيع مشابهة والتي تخص البشر وتساعد على تغيير الحياة للأفضل.

يبدأ الكتاب الذي يقع في (5) فصول مقسمة بعناوين تقع أسفلها النقاط التي يتحدث عنها الكتاب بمقدمة يشرح فيها “هيغ” أنه عندما وقع فريسة للاكتئاب، كانت الكتابة من المستحيلات، فقَدَ كل ما كان يعرفه عن الاكتئاب هو إصابة أحد أفراد عائلته؛ وهي جدته، ولم يكن قد تعامل معه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حتى أصيب به.

يسرد الكاتب معاناته مع الأعراض؛ كالتعرق وزيادة ضربات القلب، الذعر في الأماكن المزدحمة، الخوف من البقاء وحيدًا، نوبات الذعر والرعب التي يظن معها المريض -في أولها- أن قلبه سيتوقف عن الخفقان وسيموت، ويذكر أن انعدام الأمل كان من أسوأ تلك الأعراض، فبدون أمل لم يكن له أن يتخطى كل المعارك التي تدور في عقله.

يستعرض الكاتب على خطين متوازيين -وهو ما يساند كل مكتئب- كيف كانت تزيد أو تقل الأعراض، كيف كان يلاحظها مع حربه الداخلية التي كان يعانيها بينه وبين نفسه، حيث وُجد منه شخصان أحدهما يلقيه في النار طالبًا منه التخلص من الألم بالانتحار، والآخر يطلب منه التريث والصبر والمحاولة، فالحياة جميلة، أو كانت وسيري السعادة مرة أخرى فقط بالمثابرة والصبر.

“لقد كنت محاصرًا في سجن، لم أكن أعرف أنه من الممكن أن يُسجن الإنسان داخل عقله”.

يشرح “هيغ” أن الاكتئاب هو رحلة بها منحنيات كثيرة، فهي ليست خطًّا مستقيمًا، ستصعد وتتحسن أحيانًا، وستشعر أنك في القاع أحيانًا. أهم ما يمكن معرفته في تلك المرحلة أن مراحل علاجك لم تفشل، وأنك لست في معركة مع الآخرين بل هي تدور في عقلك. “ورغم ذلك، كنت أشعر في بعض الأحيان أنني أجمع الأيام وأراكمها كما نفعل بقطع الخشب في لعبة جينغا دايز، متخيلًا أنني أقوم بتحقيق نتيجة ما، ثم فجأة تنتابني نوبة هلع لخمس ساعات أو ليوم وأمر بعدها بحالة من الظلام المهلك، لتتساقط كل القطع الخشبية وأخسر كل الأيام التي جمعتها”.

كما يشرح أنه رفض العلاج، رفض الخمور أو المخدرات، رفض أن يغيب عن الوعي ولو للحظات، كان يريد أن يكون متيقظًا لعقله وما يدور بداخله، منوهًا أن هناك بعض الحالات التي لا تحتاج علاجًا وهناك بعض الحالات التي تتحسن به، ولكنه كان يشرح رحلته هو معطيًا كافة التفاصيل المزعجة والمُشجعة أيضًا، كانت حقًّا تجربة صادقة لم يتمّ حَذْف لحظات الضعف واليأس منها.

“رغم أنني لم أتناول الأدوية لعلاج الاكتئاب، ولكن قد يأتي وقت في المستقبل وأقوم بتناولها، التمارين ساعدتني كثيرًا، اليوغا، وكل ما يجعلني أمتص ذاتي في شيء أو في شخص أحبه”.

محاولات “هيغ” المستمرة للخروج من النفق المظلم تضمنت الكثير من الحلول التي ظل يمارسها حتى لاحظ آثارها الإيجابية عليه. الركض كان واحدًا من تلك الحلول الصحيحة التي أدرك فائدتها في الحال، الركض كان يحاكي نوبات القلق ولكن دون قلق؛ فالركض يجعلك تتعرق، تزداد ضربات قلبك سرعة، ولكن في الوقت نفسه تشغلك عن الأفكار المرعبة، تجعلك تركز على الطريق، كما كانت تمثل إنجازًا يكبر يومًا بعد يوم.

القراءة أيضًا، كان يقرأ كل ما تقع عليه عيناه، خاصة المتعلقة بالاكتئاب كان يقرأ ويلاحظ ويتواصل أيضًا مع من يعانون من الاكتئاب، فقبل أن يكون مريض اكتئاب، فإنه كاتب يتواصل مع البشر ليعرف ما يشعرون به، كيف يتخطونه أو يحاربونه، كيف لاحظوه وكل ما يتعلق بذلك الوحش الرابض في عقولهم ليستطيعوا أن يخيفوه؛ فيهرب.

طوال تلك الرحلة، كان “هيغ” يقولها صريحة عبر تجربته، إننا دائمًا ما سنحتاج أحدًا ليستوعب ما نمرّ به، شخص يتحمل كل تلك التقلبات ونوبات الذعر والخوف وتلك الظروف غير الطبيعية، وقد نسب كل هذا التقدير والصبر والحب لـ”أندريا” حبيبته.

” لقد أغلقت أندريا كل الثقوب التي كان القلق والظلام يتسربان منها إلى حياتي، لقد كانت عقلي الثاني، كانت جليستي، النصف الثاني لي عندما يغادرني نصفي، لقد قامت بالتغطية عن ذاتي الضائعة، وانتظرت بصبر عودتي إلى نفسي وكأنها زوجة لجندي”.

 شاهد المزيد على مدونة ملهم

 إن أعجبك التطبيق أضغط هنا للتقييم ✔

ليست هناك تعليقات