كيف نكتب!
- بقلم: تشارلز بوكوڤسك
- ترجمة حيدرة أسعد
الكتابة ليست عملًا على الإطلاق، وعندما يخبرني
الناس كم هي مؤلمة، لا أفهم ذلك. إنها تشبه تمامًا الدوران حول سفح الجبل، إنها
عملية تحرر.
هنري تشارلز بوكوڤسكي (1920-1994)،
شاعر أمريكي من أصلٍ ألماني، عُرِف بـواقعيته القذرة، إلى جانب سخريته، ولغته
التصويرية، وكتاباته المثيرة للجدل، لقبته مجلة التايم بأنه رائد الحياة
الأمريكية البائسة، غير أنه واحدٌ من الكُتاب غير المتفق عليهم بين القراء، فهو
الكاتب الذي إما أن تحبه أو تكرهه، لا خيار ثالثًا وسطيًّا! ومما لا شك فيه
تأثيرُه الكبير في الأدب الأمريكي الحديث، سواء القصصي أو الشعري، مع ما يزيد على
الألف قصيدة، ومئات القصص القصيرة، وست رواياتٍ.
وقد قيل وكُتب الكثير عن كتابته
وحياته الشخصية، وهنا نقدم إليكم ستة دروسٍ تقصيناها من قصائده وقصصه ومقابلاته
المختلفة.
أولًا: لا تجعلِ القارئَ
يضجر!
عندما تكتب، ينبغي لكلماتك أن تتدفق
مثل هذه، بِم! بِم! بِم! كل سطرٍ ينبغي أن يكون مليئًا باللذة، بالنكهة، كل كلمة
ينبغي أن تكون قوية ومؤثرة، لدرجة أن تشدك لتقلبَ الصفحة التالية.
سواء أكنت تحبه أم لا، فإن بوكوڤسكي
كان كل شيء إلا مملًّا، قصائده وقصصه مثيرة للجدل، وصادمة، وعاطفية، وفي بعض
الأحيان وحشية أو مجنونة، لكن كلمة "مملة"، بالتأكيد، ليست لوصف
كتاباته.
إنها نصيحةٌ بسيطة، لكن من الصعب
اتباعها. ما هو المُمل؟ ومَن الذي يقرر ذلك؟ كل شخصٍ لديه تعريفه الخاص للمَلَل،
لكن الأمر الوحيد المؤكد، أن الكتابة ينبغي ألا تكون مُملةً أبدًا، للقارئ أو
الكاتب على حد سواء. بكلماتٍ أخرى، تجنب التفاهة، اذهب مباشرةً إلى مرادك جاعلًا
القارئ متمسكًا بإكمال القراءة. وهذه العبارة: "بِم! بِم! بِم!" عبارة
مهمة وفعالة لتبقيها في عقلك وأنت تكتب قصتك التالية.
ثانيًا: اكتب بمرح!
الكتابة ليست عملًا على الإطلاق،
وعندما يخبرني الناس كم هي مؤلمة، لا أفهم ذلك. إنها تشبه تمامًا الدوران حول سفح
الجبل، إنها عملية تحرر.
الكتابة يمكن أن تكون صعبة، فضعف
الإلهام أو قلة التحفيز على الكتابة مشكلات شائعة بين الكتاب. لكن ينبغي للكُتاب
أحيانًا أن ينظروا إلى الجانب المشرق من الأشياء. للكاتب الحرية الكاملة في
الاستيقاظ عند الثانية عشرة ظهرًا، وتناول كأسٍ من الكوكتيل، ثم الذهاب للتسوق،
والعودة إلى المنزل، وإعداد العشاء، ثم الكتابة لمدة 3–4 ساعات. كم عدد المهن
التي تسمح بهذا الجدول اليومي؟ حسن، قد لا يستطيع كل الكُتاب أن يكون لهم جدول
يومي كهذا، لكن الفكرة أن تعيش القليل من المرح خلال عملية الكتابة.
إذا كنت ترى الكتابة عملًا مؤلمًا،
فلا بُد أنه الوقت المناسب لتأخذَ استراحةً لعدة أيام، أو أن تنخرطَ في بعض
النشاطات لتنعشَ عقلك وتستعيدَ حماستك. كل شيءٍ يمكن أن يصبحَ مُضجرًا إذا مارسته
لمدةٍ طويلة، وثمة سبلٌ كثيرة تساعدك على ترتيب الأمور من جديد، وتغيير الروتين
اليومي. فإذا أردت أن تتخذ الكتابةَ مهنةً على المدى البعيد، فسيتوجب عليك أن
تنظر إلى الكتابة من منظور إيجابي، وأن تستمتعَ بها بشكل حقيقي.
ثالثًا: كن ملتزمًا
إذا كنت مقبلًا على المحاولة، فعليك
أن تستمر طوال الطريق، وإلا فلا تبدأ! لأن ذلك قد يعني فقدان العشيقات أو الزوجات
أو الأقارب، أو حتى فقدان العقل، وقد يعني ذلك ألا تأكل لثلاثة أو أربعة أيام، أو
البقاء متجمدًا على مقعد في الحديقة، وقد يعني أيضًا الانعزال.
إنه لمن السهل الاستسلام بعد أن
تفشل عشرين أو ثلاثين أو حتى أربعين مرة. الكتابة الجيدة لا تحدث بين عشيةٍ
وضحاها، ففي بداية مسيرته فشل بوكوڤسكي في اقتحام عالم الأدب، وترك الكتابة لمدة
عشر سنوات، فلو أنه لم يَعُد ليحاول، لما كنا حتمًا سنعرف شيئًا عنه أو عن
كتابته. ولا شك أن الكثير من الكتاب الموهوبين كانوا على وشك النجاح، لكنهم
استسلموا، وظلوا مجهولين. فالالتزام والاستمرار في الكتابة خلال أصعب الأوقات، هو
ما يميز بين الكتاب المحترفين والهواة.
إن السعي الدؤوب إلى الغاية المرجوة
تكريسٌ حياتي، وهذه صفة لا يمتلكها إلا الطموحون، وهو ما يجعلهم ناجحين في المجال
الذي اختاروا تكريس حياتهم فيه.
رابعًا: استرخِ ولا تفكر
بالمال والشهرة في أثناء الكتابة
سألني أحدهم: كيف تكتب؟ تبدع؟ قلتُ:
لا تفعل شيئًا، لا تحاول. هذا أمر في غاية الأهمية: ألا تحاول، لا من أجل سيارات
الكاديلاك، لا لأجل الإبداع، لا لأجل الخلود، أنت تنتظر، وإذا لم يحدث شيء فما
عليك إلا أن تنتظر أكثر.
المحاولة الجادة لإنتاجِ عملٍ بقصد
أن تصبح غنيًّا أو مشهورًا، ليس لها علاقة بجوهر الكتابة. على العكس تمامًا، فمن
المرجح أن تؤدي إلى نتائج أقل من ذلك بكثير. إن الكتابة المنتظمة هي بحق أمرٌ
جيد، ولكن عليك ألا تبالغ في القيام بذلك إلى الحد الذي يجعلك تكره الكتابة.
القصص ذات الجودة العالية تستغرق وقتًا طويلًا. اسأل جورج ر.ر. مارتن عن ذلك.
الشهرة والمال والسيارات الكاديلاك
ليست بالضرورة أهدافًا سيئة، لكن الكتابة السيئة والمتسرعة لن تمكنك من تحقيق
ذلك. وفي الوقت ذاته، كتابتك يمكن أن تكون جيدة، لكنها لم تكتشفْ. وكذلك فإن عدم
قدرة الكتابة على تأمين قوت يومك، ليس سببًا حقًّا للاستسلام والتوقف عن المحاولة.
خامسًا: استمر في الكتابة
دون التفكير بالماضي
هل تعلم ما الذي يستولي على
اهتمامي؟ ما الذي سأكتبه مساء الغد. هذا كل ما يهمني، القصيدة التالية، السطر
اللعين التالي، أما ما مضى فقد مضى. لا أريد أن أظل متوقفًا عند شيء ما، أقرؤه،
وألعب معه وأستمتع به، لقد مضى، لقد انتهى، إن كنت لا تستطيع كتابة السطر
التالي... فأنت ميت.
في مرحلة ما، عليك أن تمضي قُدمًا،
إنه من الرائع أن تراجعَ عملَكَ وأن تهذبَه، ولكن بعد التعديل الأربعين على فصلٍ
ما سيكون من الجيد أن تنتقل إلى الفصل الذي يليه، يوجد 2985 مرادفًا لكلمة سكران
(drunk)، ولكنك لست مضطرًا لأن تمر عليها
جميعًا من أجل أن تختار واحدًا منها. عندما تنتهي من عملٍ ما، اتركه!
كثيرون هم الكُتاب الذين يُصابون
بالكسل بعد النجاح. فعندما يعثرون على "صيغة" لكتابة الكتب الأكثر
مبيعًا، فإنهم يكررونها ويتشبثون بها للحصول على المزيد من المال وتوقيع المزيد
من عقود النشر. إنه من الطبيعي أن يعمد الكُتاب إلى كتابة المزيد من القصص
الناجحة، وأن يتجنبوا تلك التي لا تتلقى الاهتمام والحفاوة، ومع ذلك، فإن اعتماد
الكاتب على شهرة الماضي دون أن يجعل أعماله اللاحقة بمستوى تلك الأعمال، ستكون
نتيجته متواضعة وهزيلة. إن الحياة تجري بسرعة، وكل سطر ينبغي أن يكون أصيلًا
كالذي قبله.
سادسًا: اكتب عن أشياءَ
تعرفها
لقد حظيتُ بحياة بائسةٍ، هذا كل
شيء... حياة بائسة أكتب عنها.
لم يكن بوكوڤسكي يشرب لينسى، ولم
يكن يجلس أمام آلته الكاتبة لأن ذلك كان طقسًا جميلًا. كانت هذه حياته، كل ما
قاساه في حياته كان البؤس والسكر والوحدة والاكتئاب، أو السعادة أو الاستسلام
واليأس. لقد عاش تلك الحياة، وقد ألهمته بدورها ليكتب. أنت لا تستطيع أن تكتب
جيدًا عن أشياءَ ليس لديك فكرة عنها. إن أفضل القصص هي تلك التي تعرف عنها
الكثير، تلك التي انبثقت من تجربةٍ شخصية خضتَها أنت.
من المستحيل أن تكون كاتبًا جيدًا
دون أن تعيش الحياة، وتقاسيها، لتتعلمَ منها الدروس الثمينة. لا يمكنك خداع
القارئ بالتظاهر بأنك إنسان خبير. أن تكتب عن أشياء تعرفها جيدًا، أو بحثت عنها،
هو ما يجعلك تأتي بمحتوى جيد. فإذا كنت تعيش حياةً مزرية فاكتب عنها. لا تتظاهر
بأن ذلك لا يحدث، وبطريقة مماثلة تعامل مع اللحظات السعيدة التي تعيشها. شاركها
واكتب عنها، فأنت أكثر من يعرفها.
يبدو بوكوڤسكي للوهلة الأولى
قاسيًا، لكن كتاباته رقيقة، وذات معانٍ مرهفة، فلا تدع سمعته المثيرة للجدل
حاكمًا على قصائده وآرائه حول عملية الكتابة.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق