لدي عقل فوضوي للغاية
- بقلمزادي سميث
- ترجمة إيمان معروف
أود أن أعرف أنني أحب
شيئًا ما قبل أن أخوض فيه. إن كتابة 3000 كلمة حول أمرٍ لا يعجبني بمثابة التعذيب
بالنسبة إليَّ.
اعتُبرت زادي سميث من أهم الأصوات الأدبية
المميزة منذ انطلاقة روايتها الأولى "الأسنان البيضاء"، التي حققت أعلى
نسبة للمبيعات بين ليلة وضحاها. تجيب سميث هنا عن أسئلة طرحها مشاهير المعجبين،
ومنهم تيجو كولي وفيليب بولمان وشارمين لوفجروف.
من الممكن وصف المجموعة الثانية من مقالات
زادي سميث، "خذ راحتك Feel Free"، بأنها جولة عبر مختلف مراحل نشاطها
الأدبي، وتتخللها نقاط تحول هامة، فهي تكتب عن موسيقى جاي زي التي "تنساب
في أذنك تمامًا كما ينساب الماء من الصنبور" بالحماس ذاته الذي تكتب
فيه عن "الكوميديا الغنية والمثيرة" لإدوارد سانت
أوبين. وقد استخدمت كراهيتها القديمة لجوني ميتشل كركيزة لنقاشاتها حول الفلستية
والذوق (الفلستية philistinism
مصطلح ازدرائي لوصف الموقف الاجتماعي من المناهضة للفكر الذي يحتقر الفن والجمال
والروحانية).
وتشير سميث إلى أن على الرغم من اتساع
المواضيع، فإنها تبدو ضيقة جدًّا بالنسبة إليها في أغلب الأحيان: "أنا
على دراية بكل ما يثير حماسي رغم صعوبة رؤية التنوع في ذوقي الخاص، إذ إن الشيء
الوحيد الذي يجمع بينها هو مقدار الشغف الذي تشعر به حيالها". "أود
أن أعرف أنني أحب شيئًا ما قبل أن أخوض فيه. إن كتابة 3000 كلمة حول أمرٍ لا
يعجبني بمثابة التعذيب بالنسبة إليَّ".
كانت المقالات الـ33 والأعمدة والمراجعات
التي كتبتها سميث بين عامي 2008 و2017، تجسد فترة استراحة من خيالها نوعًا، إذ
تقول: "عادةً ما تأتي المقالة عندما أهرب من كتابة الروايات". "إن
كتابة الرواية تشبه الاشتراك بسباقٍ للمسافات الطويلة، وكتابة مقال في خضم ذلك
تُشبه الانعطاف يسارًا عن الطريق، والجلوس في مقهى ما ومنح اهتمامك لشيء مختلف
كليًا كأنك تلوذ بالراحة". وتتفاوت أساليب كتابتها بشكل واضح: "أدب
الخيال معقد، في حين أن المقال بالنسبة إليَّ محاولة ذات طابع يتسم بالوضوح، فأنا
لدي عقل فوضوي مشوش للغاية، ولكن عندما أكتب مقالًا أجد أن بإمكاني التحكم بزمام
عقلي بشكل أكبر".
فإذا ما ألقت نظرة عامة إلى المقالات، فإنها
تذكرها: "في ذلك الوقت الذي كنت فيه مهووسة برسم لوحة للرسامة لينيت
يادوم بواكي، أو حين كنت أقرأ الكثير من أعمال الروائي الانكليزي بالارد. وتكمن
متعة إعادة قراءة تلك الأعمال في كونها تعيد إلى الأذهان عملًا إبداعيًّا رائعًا
لشخص آخر يترك أثر عليَّ".
أسئلة المعجبين من المشاهير
مات هيج، مؤلف كتب مثل
"أسباب البقاء على قيد الحياة" و"البشر"
كنت تشككين فيما مضى في أشياء مثل تويتر
وإنستاغرام، لكونك تقدِّرين "حقك في أن تكوني مخطئة". هل تقلقين بشأن
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع؟
قلقي محصور بـي أنا وعائلتي. لا أحتمل
الهواتف ولا أريدها في حياتي بأي شكل من الأشكال، فهي تثير في داخلي شعورًا بالقلق
والاكتئاب والموت، لكنني أؤيد بالكامل أي شخص يجدها مبهجة وتضيف منحى عميقًا
لوجوده! فللناس فيما يعشقون مذاهب.
المسألة المجتمعية أكثر تعقيدًا، على الرغم
من أنني أعتقد أن مستخدمي الهاتف النقال أنفسهم، وليس الرافضين استخدامه مثلي، هم الأقدر
على التحدث عنه. ولكن بما أنك تسأل... ربما حان الوقت لمواجهة أنفسنا بجرأة أكبر
بالأسلوب الذي نستخدم به هذه التكنولوجيا. إن تجنب الخداع الذاتي هو الأصعب. عليك
أن تنجو من فخ الدفاع اللاواعي عن النفس، وأن تخرج عن سياق الحجة العامة لتجلس في
ركن مع نفسك وتجري محاسبة صريحة: ما الأثر الذي يخلفه هذا الجهاز الصغير القابع في
جيبك على علاقاتك الحميمية مع الآخرين؟ وعلى سلوكك كمواطن فرد في المجتمع؟ ربما لا
شيء. ربما كل شيء على خير ما يرام. وربما لا؟
أنا لست مهووسة. لا أتخيل أشخاصًا يلقون
أجهزتهم بشكل جماعي في صناديق القمامة عما قريب. (وأنا مدمنة على كمبيوتري المحمول
كأي مستخدم لجهاز آي فون)، ولكن قد تُبنى إعادة التقييم على أسس عقلانية. هل نحتاج
حقًّا إلى أن نكون متصلين بالإنترنت 27 ساعة في الأسبوع؟ (هذا أحدث رقم للمراهقين،
لكنه يتصاعد بجنون مع كل عام). هل نحن بحاجة إلى الإنترنت في جيبنا في جميع
الأوقات؟ هل نحتاج إليه عند الاستلقاء ليلًا؟ هل يحتاج أطفالنا في سن السابعة إلى
هواتف؟ هل نرغب في أن نتوارث التبعية والهوس؟ لا بد من إمعان النظر في كل هذا. لا
يجوز أن نتيح لشركات التكنولوجيا التحكم في قرارتنا.
فيليب بولمان، روائي
ما القصائد التي حفظتها عن ظهر قلب؟
هذا اختصاص نيك [زوجها، الكاتب والشاعر نيك
ليرد]. إنه يجعل الأطفال يحفظون القصائد، لكنني لا أحفظها أبدًا. يمكنني سرد مقاطع
من "كتاب الحيوانات" لفرانك أوهارا، وبعض العبارات من مسرحيات
"هاملت" و"هنري الخامس" و"مكبث". أما في حيز
الدماغ، حيث يجب أن تحفظ القصائد، فلدي مجموعة كبيرة من مقاطع أغاني الراب.
صادق خان، رئيس بلدية لندن
قرأت في مقابلة سابقة أنك تعتبرين لندن
"حالة ذهنية". أعتقد أنكِ على حق. ماذا تعني لك لندن من حيث الإبداع
وكيف تؤثر على عملك؟
إن طبيعة الناس، وحس الدعابة، وتنوُّع
الأماكن والظروف كلها أمور مثيرة للاهتمام إلى ما لا نهاية بالنسبة إليَّ، إضافة
إلى طبيعة الكون المصغر شمال غرب لندن على وجه الخصوص، فقد تشهد في شمال غرب لندن
الكثير من الأشياء التي حدثت في إنجلترا على مدار القرون الثلاثة الماضية ولكن
بصورة مصغرة: الأسوار، وإضفاء الطابع الصناعي وتقسيم الضواحي والتهجير وعصرنة
البناء العمراني...
جونو دوسون، مؤلفة كتاب
"ألعاب الجندر"
لا يزال الناس بعد مرور سنوات عدة على تحولي،
يُشيرون إلي باسم "الكاتب جونو دوسون المتحول". هل تشعرين أيضًا بأن لديك
دورًا مزدوجًا ككاتبة من جهة وكـ"صوت" لمجتمعك من جهة ثانية؟
مشكلتي أنني لا أستطيع التفكير في المجتمع في
صيغة المفرد. ألا يندرج الجميع ضمن مخطط فين للتحالفات والاهتمامات المتداخلة؟ أنا
سوداء، وامرأة وزوجة وأم أيضًا، وبريطانية وأوروبية في الوقت الحالي وأعيش في لندن
ونيويورك معًا، وكاتبة، ونسوية، وجامايكية من الجيل الثاني، وعضوة في اتحاد الشتات
الأفريقي، مولعة بمسلسل "لعبة العروش"، وأكاديمية، فكاهية، منظِّرة،
وأعشق عالم الهيب هوب والكثير غير ذلك.
يسعدني أن أكون كل تلك الأشياء، وبغض النظر
عن المكان الذي ينتمي إليه الجميع، فإنهم إن أمعنوا النظر فعلًا فسيجدون أنفسهم
منتمين لعدد وافر من المجتمعات. وفي الكثير من اللحظات يشعر المرء بقوة جذب بعض
الالتزامات وخاصة إن كان جانب من هويتك ملتصقًا بها على نحو خاص.
لكن قد يسقط النقاش كله في فخ ما. فمثلًا، لا
أحد يدعو دون دليلو بـ"الكاتب الأمريكي الأبيض دون ديليلو"، فلماذا
أتحمل لقب "الكاتبة البريطانية السوداء زادي سميث"؟ ونتيجة هذا المنطق
يقع الضغط الخطابي على فكرة الحياد هذه، كما لو أن الكاتب الأبيض لا ينتمي إلى عرق
أو هوية -وهو ببساطة "الكاتب"- في حين أن الكاتب الأسود لا بد من أن
يكون له هوية محددة. وبناء عليه أنت مجبر على الانزواء في ركن تجد نفسك مضطرًّا
فيه إلى إثبات أنك عظيم حقًّا، وأنك "كاتب" حقًّا. عليك أن تنسى لونك
الأسود، وأن تطمح إلى رؤية أشخاص يتجاوزون مسألة لونك".
إنه نسخة من هذا الإطراء المجامل الذي سمعته
مرارًا عندما كنت طفلةً: "بصراحة، أنت صديقتي وحسب ولا يهمني لونك
أبدًا"، و"لا فرق لدي!". أعتقد أنه يتعين عليك عكس المفهوم لترى كم
هو غريب: "لا يا دون، لن أفكر في كونك أبيض بعد الآن، أنا فقط أحب
كتبك!". لا، أنا أرفض هذا الحياد المفترض. أنا كل الأشياء التي أنا عليها،
وعلاوة على ذلك أنا كاتبة أيضًا. كل شيء متصل ببعضه كما يتصل بياض بشرة
"دون" به.
كريس وير، رسام كارتون
هل لديك أي تقنيات سرية للتغلب على الشك في
قدراتك؟
تعلم جيدًا أن لا علاج للشك، وفي النهاية
عليك فقط الكتابة والشك في وقتٍ واحد.
هانز أولريش أوبريست، المدير
الفني لمعرض سربنتين في لندن
ما هو مشروعك الذي لم يتحقق بعد؟ ما حلمك؟
نعرف الكثير عن المشاريع غير المحققة للمهندسين المعماريين، لكننا لا نعرف شيئًا
عن مشاريع الفنانين أو الكتاب. قالت دوريس ليسينغ ذات مرة إن إلى جانب المشاريع
التي لم تتحقق، فهناك أيضًا تلك المشاريع التي نراقبها بصمت ولا نجرؤ على القيام
بها.
شرعت في كتابة رواية خيالية. لكن في كل مرة
أجلس لأكتبها، أفكر في أورسولا لو جوين وهي تقلب الصفحات وفي عينيها نظرة اشمئزاز،
وسرعان ما أشعر بالخوف وأبتعد.
ألانا ماسي، صحفية ومؤلفة كتاب
"كلّ حياة أردتها"
لم أستطع التفكير في أي شيء أدبي بما فيه
الكفاية، لذا سأطرح عليك السؤال التالي: هل لديك مخاوف من أن "الفجوة"
التي أحدثتها فرقة "ون دايركشن" نهاية عام 2015 سببت، في الواقع، تفككًا
رسميًّا ودائمًا للفرقة؟
كنا قد بدأنا للتو إنجاب الأطفال ورعايتهم
عندما انطلقت فرقة ون دايركشن وحين فرغنا من ذلك كانت الفرقة قد انتهت أيضًا. كان
اهتمامي منصبًّا على شيء آخر. لدى ابنتي آلة كاريوكي تُشغِّل أغنية خاصة بهم
بعنوان "لا تعرفين كم أنتِ جميلة"، وتجعلني أرغب في الاستلقاء والتخلي
عن الحياة.
نيكيش شوكلا، كاتب ومحرر
"المهاجر الجيد"
ما كلمات الأغنية التي تصفك بأفضل شكل؟
"أنا
أضع اللوم عليك في كل شيء/ على الأقل أنت تعلم أن هذا ما أجيده". -- كانيي
وِست
شارمين لوفجروف، ناشرة لها
بصمتها الحصرية الجديدة عبر مجموعة "كتب الحوار"
كيف كان شعورك حين كنت صغيرة السن ويُنظر
إليك باعتبارك الناطقة بلسان العرق والجنس والثقافة من بين قلة قليلة من الذين
سمعت قصصهم؟
لم أعتبر نفسي يومًا ناطقة بلسان أحد، ولا
أعتبر نفسي راوية لـ"قصصي" أنا بالذات، بل أرى نفسي في جميع الأشياء،
على الصفحة وخارجها وفي كل مكان. أحاول توضيح الطريقة المميزة التي أفكر بها وكذلك
القواسم المشتركة التي أبحث عنها. شيء مثل: "أنا أعتقد هذا. هل تعتقد ذلك أنت
أيضًا أيها القارئ؟". ولا أمانع إذا كان الجواب لا. لا يهمني إقناع الناس
بحجة ما بقدر اهتمامي بنمذجة أسلوب ما للتفكير. هذا هو المهم بالنسبة إليَّ في
العالم الأدبي: طرق للرؤية والتفكير.
عندما تنبثق أصوات جديدة من الأوساط المهمشة،
يكون هناك دائمًا أمل من منظور جديد: زاوية جديدة، ووضع جديد (رغم أنه لا شيء في
الواقع يمكنه أن يضمن "حداثة" حقيقية). على سبيل المثال، إذا كنت أقرأ
مقالات تيجو [كولي]، فأنا أمام عقل يعمل بشكل مختلف تمامًا عن عقلي، ويركز بشكل
مختلف على مواضيع مختلفة -لاغوس والفن الفلمندي في القرن السادس عشر والتصوير
الفوتوغرافي- وهذا مثير جدًّا بالنسبة لي. أو يمكنني تصفح كتاب لإيمبولو
مبو لأقرأ عن نيويورك من منظور لم أستطع تصوره بنفسي: وجهة نظر مهاجر
كاميروني معاصر. أو أستطيع أن أقرأ إدوارد لويس لأعرف ما يعنيه أن أترعرع في فقر
مدقع في فرنسا المعاصرة ، أي كيف يمكن للعالم أن ينظر إلى شخص بنيت شخصيته وسط هذه
التجارب.
أحب أن أسمع مجموعة متنوعة من الأصوات، لكن
ليس من الضروري أن تكون قصصًا شخصية. ما يهمني حقًّا هو مفاهيم الآخرين. أعتقد أن
للناس عقول مختلفة جذريًّا، وأريد أن أتعرف على أكبر عدد ممكن منهم. أعتقد أنه من
الناحية التجريبية قد يكون ثمة فرق كبير تقريبًا بينك وبين الشخص المجاور لك في
الحافلة كما هو بيني وبين كلبي. وإذا اختارت دور النشر، كالمعتاد، الكتّاب الذين
هم من ضمن الوسط والخلفية والطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها، إلخ، فسوف تحظى
بتنوعٍ أقل لمجموعة العقول هذه. نحن كتّاب أساسًا، ولكن قراء أيضًا.
جيما كيرني، دي جي، ومذيع
ومؤلف كتاب المشورة للمراهقين، "افتح": مجموعة توضح إلى أي مدى قد تصل
فوضوية وسحر الحياة
هل ثمة ما يكوي قلبك حزنًا على الجيل الأصغر
سنًّا؟ ما أصعب ما قد يواجههم في هذه الحياة المعاصرة وما الذي يمنحهم أكبر قدرٍ
من الأمل والسحر أيضًا؟
لا أملك الكثير من الأفكار حول الجيل الأصغر.
ألا تجري الأمور على هذا النحو؟ أفضل ما في كونك شابًّا هو الشعور بأن الناس
الأكبر سنًّا يسيئون فهمك كليًّا. أفتقد هذا الشعور.
تيجو كول، كاتب
يجب أن ترضخ لبعض الضغوط لتكون مقبولًا، وأن
توافق على الآراء الصحيحة. لكنني لاحظت أنك تفكرين في الأشياء، بدلًا من مجرد
الموافقة عليها. كيف تدافعين عن هذا الفضاء الفكري المستقل؟
أنا لا أفكر في نفسي كمتناقضة. أنا عديمة
النفع في المواجهات. كما أنني لا أحتمل المبادئ الدوغماتية والأفكار الكسول،
والشعارات، والتفكير الجمعي وغير المنطقي، ونفاق الشعارات، والصراخ، وهجمات
الشخصنة، والكلام المنمق، والتقوى الليبرالية، ودهاء المحافظين، والإيديولوجيين،
والأصوليين والتكنوقراط، والوعّاظ، والمهللين، أو المتنمرين. وأنا مثل الجميع
غالبًا ما أكون مذنبةً في بعض مما سبق، لكن أعتقد أن مهنة الكتابة هي محاولة على
الأقل لتخفيف هذا النوع من الأشياء قدر الإمكان.
ماريا بلشو، مديرة متاحف تيت
يبدو من المهم للغاية اليوم التمسك بالحرية
الإبداعية، خاصة في مدننا. من يجسد في نظرك أبطال الفن والموضة الناشئة في المملكة
المتحدة؟
أنا بعيدة كل البعد عن هذا المجال. كيف لي أن
أعرف؟ لكني أشعر بالكثير من الحماس لدى سماع موسيقى الهيب هوب البريطانية وموسيقى
النوادي عبر الراديو كلما عدت لوطني. ولا أسمعها في نيويورك. إنها من الأشياء
الرئيسية التي تجعلني أشعر بالتفاؤل والإثارة حيال لندن.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق