ضع اعلان هنا

اخر الأخبار

أفضِّل أن أكون كاتبة على أن أكون معالجة نفسية


 


بقلم: أولغا توكارتشوكجون فريمان
ترجمة: آلاء نحلاوي
الكتابة بحث عن وجهة نظر مميزة ومحددة من الواقع الواضح بالنسبة إلى العديد من الناس، وعلينا نحن الكتَّاب أن نكتشف وجهات النظر التي تغير المنظور.

 

حوار مع أولغا توكارتشوك الحائزة حديثًا على جائزة نوبل، ومؤلفة كتاب "رحَّالة".


جون فريمان: يتنقَّل كتاب "رحالة" عبر الزمان والمكان ببراعة وغموض. لقد كتبتِ ثماني روايات ومجموعتين قصصيَّتين، فهل كان هذا من الكتب التي لا يمكنك كتابتها، نظرًا لسعته ومقدار السفر فيه، إلا بعد مرورك بتجربة أن تكوني غير مرئية في أثناء السفر؟ أتساءل إن كنت تستطيعين الحديث عن ذلك.

أولغا توكارتشوك: كنت غير مرئية حتى اللحظة التي فكرت فيها بالحصول على جدائل، (تضحك)، بعد ذلك أخذ الجميع ينتبهون إليَّ ويسألونني عنها، فأضطر إلى أن أشرح لهم أنها تصفيفة شَعر بولندية قديمة، وأنها شيء محليٌّ أصيل وما إلى ذلك. لكن نعم، أعتقد أن المرأة باجتيازها الأربعين من العمر تصبح جزءًا من عالمٍ غير مرئي، وكما هو موضح في كتابي، هناك جوانب جيدة وأخرى سيئة لتلك الحالة من الوجود. الجيد هو قدرتك على أن تكون راويًا مثاليًّا، لأن أحدًا لا يلاحظ أنك تراقبه. أنت إذًا أشبه بعيون حرَّة تسافر عبر العالم وتراقب كل شيء دون أن تُرى حتى، لذا فهي حالة جيدة جدًّا.

فريمان: هذا الكتاب مليء بالحكايات التي تبدو كأنها مجمَّعة ومنتقاة، وكذلك مبتكَرة ومرويَّة. أتساءل إن كان بإمكانك أن تعطينا فكرة بسيطة عن نسبة كلٍّ من ذلك، لأن الراوية كثيرًا ما تكون في مدينة أجنبية لم تذكر اسمها وتبدأ محادثة مع مسافر ما. هل تخترعين مصداقية ذلك الواقع، أم أن كثيرًا من الأحداث في هذا الكتاب يستند إلى تجربة حقيقية؟

توكارتشوك: معظمها مبني على تجربتي كمسافرة، لكن ليس جميعها، لأن الراوية في هذا الكتاب من نسج الخيال. مثلًا، عند كتابة رواية مركَّبة كهذه، رواية مكونة من أجزاء صغيرة، لا بد من وجود شيء ثابت، موقع واحد ثابت في الكتاب. أدركت منذ البداية أنه يجب أن يكون راويًا قويًا، وصنعت هذا الراوي من... منظوري، من وجهات نظري الخاصة وصفاتي وما إلى ذلك. لكنني كنت واثقة بأنه يجب أن يكون من الواقعية بحيث تكون هناك فقرة في بداية الكتاب أعرض فيها فحوصات دمه، كي يتمكن القارئ من معرفة تفاصيل بهذه المادية والعضوية عن جسد الراوي، ليتأكد من أنه يمكن أن يكون حقيقيًّا. نعم، إذًا، العديد من وجهات النظر هذه وجهة نظري، لكنني في بعض الأحيان كنت أخطو خارج نفسي وأتظاهر بأنني شخص آخر. هذا النوع من الحرية لدى الكاتب هو ما أحبه كثيرًا، وقد يكون السبب الحقيقي الذي يجعلني أفضِّل أن أكون كاتبة على أن أكون معالجة نفسية.

فريمان: لديَّ فضول يا أولغا أن أعرف إن كنت تستطيعين تذكُّر أول رحلة قمت بها في حياتك.

توكارتشوك: لقد عشت طفولتي في وقت مختلف تمامًا عن الأوقات التي نعيش فيها الآن، إذ كان الأطفال أحرارًا، فإنهم يستطيعون الخروج إلى الفناء، أو بعيدًا إلى الحديقة، ولم يكن هناك أي متحرشين في الجوار. لا أعرف، لقد كان عالمًا مختلفًا. هكذا، عندما كنت فتاة صغيرة، أحببت كثيرًا استكشاف محيطي. كنت أقوم برحلات قصيرة وأخرى طويلة، ذهبت في إحداها إلى نهر الأودر الذي كان في منطقتي على بعد كيلومترين، أي نحو ميل واحد من منزلي. ولأول مرة في حياتي انتابني شعور بأنني غازية، شخص شجاع للغاية، شخص يفعل شيئًا جديدًا لم يفعله أحد من قبل. كانت تلك تجربة في غاية الأهمية بالنسبة إليَّ كطفلة، استكشاف العالم وجعله آمنًا وموثوقًا بطريقة ما. أعتقد أن أطفال اليوم يفتقرون إلى مثل هذه التجربة، تجربة استكشاف المحيط الخاص بهم. ما زلت أذكر اللحظة التي وصلت فيها إلى النهر، وكان ضخمًا بالطبع، وساحرًا. قلت لنفسي: كان ذلك شيئًا "قد فعلتُه". كان على بعد ميل واحد لكنها خطوة كبيرة للبشرية! (تضحك).

فريمان: هناك شيء في هذا الكتاب بخصوص العناصر، الماء يستمر في الظهور والحيتان تسبح خلال الكتاب. كأنها رحلة حقيقية، بالمعنى الكلاسيكي، تنتهي عند الماء أو تسافر عبره. هل تعتقدين أن هناك شيئًا أسطوريًّا بخصوص الماء؟ أننا نتوق إليه بطريقة ما؟

توكارتشوك: بالطبع هو كذلك. إنه مجاز عن لاوعينا. هذا بديهي لكنني أعتقد أنه مناسب: الماء حدٌّ، رمز لحدٍّ نستطيع اجتيازه. السفينة، القارب، رمز آخر. وأظن أن فكرة عبور الماء موجودة في الوعي المشترك للأميركيين. أنت وراء الماء من وجهة نظرنا الأوروبية. وهذا مهم جدًّا. الماء مسطح أيضًا، وهو شيء خطير، لكنه مثمر أيضًا، يمنح النباتات القدرة على النمو. إذًا هو جعبة لانهائية من المعاني. بالنسبة إليَّ، عندما كنت أنظر إلى الخرائط في طفولتي، اكتشفت في وقت مبكر جدًّا أن شكل الأنهار يماثل شكل الأعصاب والأوردة البشرية، وهذا الكتاب يستمد أيضًا من فكرة "الكُسَيرية"، بمعنى أن الأشياء الكبيرة تشبه إلى حد كبير الأشياء الأصغر. إذًا نحن نعيش في عالم مصغر، وهو، كما تعلمون، مرتبط بعديد من الاتجاهات، في العديد من النقاط، لذلك فهو مرتبط بفكرة الكُسَيرية بشكل مجرد.

فريمان: أود أن أعرف، قبل أن نتعمق في هذا الكتاب... لقد درستِ علم النفس، وهذا موجود في الكتاب في حياة الراوية المتخيَّلة، وقد قرأتُ أن [كارل] يونغ له أهمية خاصة لديكِ. كيف يؤثر ذلك على الطريقة التي تروين بها القصص؟

توكارتشوك: كانت والدتي مدرِّسة للأدب البولندي، وكنتُ بطريقة ما، معَدَّة لدراسة الأدب أيضًا، مثلها. لكن لحسن الحظ خضت معها شجارًا في مراهقتي، كان أشبه بالتمرد الكبير ضد والدَي -وهذه في الحقيقة حالة ذهنية صحيَّة تمامًا- قررت بعدها ألا أدرس الأدب أو تكون لي به علاقة. علم النفس كان شيئًا خاصًّا بي، وعميقًا للغاية، وكنت مقتنعةً بدراسته. لكن عليك أن تضع في اعتبارك أن تلك بداية الثمانينيات في بولندا، وكانت فترة مظلمةً حقًّا. قانون عرفي، ومحلات تجارية فارغة، واكتئاب كليٌّ مشترك في بلدنا. لذلك كان علم النفس أيضًا هروبًا من الواقع بطريقة ما. وكنت قد قرأت سيغموند فرويد في المدرسة الثانوية، وهو ما شكَّل أول انطباع لدي عن علم النفس، واعتقدت بسذاجة أن دراستي بأكملها ستتناول سيغموند فرويد. لكن بالطبع لا، لأن ذلك كان في ظل حكم الشيوعيين، وكانت الأوساط الأكاديمية تفضل تركيز اهتمامها على الفهم السلوكي للبشر.
في أثناء دراسة علم النفس سرعان ما بدأتُ العمل مع المرضى. كنت متطوعة منذ البداية. بعد ذلك كان أول اكتشاف ضخم لي: الواقع قابل للرؤية من وجهات نظر عديدة. قد يبدو الأمر بديهيًّا الآن، في القرن الحادي والعشرين، لكنه عندئذٍ، قبل سنوات عديدة، شكل ثورة بالنسبة إلي. هذا يعني أنه لا يوجد شيء موضوعي، وأننا نستطيع أن ندرك هذا الواقع فقط من وجهة نظرٍ ما. أتذكر أحد أوائل عملائي، كانوا عائلة وكان لي شقيقان، وتوجب عليهما أن يرويا لي قصة عائلتهما، فأنتجا روايتين مختلفتين تمامًا عن العائلة نفسها، عندها قلت: "حسن، ما الذي يعنيه ذلك؟". أعتقد أن تلك كانت أولى خطواتي نحو الكتابة، لأنني، مرة أخرى، أؤكد أن الكتابة بحث عن وجهة نظر مميزة ومحددة من الواقع الواضح بالنسبة إلى العديد من الناس، وعلينا نحن الكتَّاب أن نكتشف وجهات النظر التي تغير المنظور. وتبيِّن أن هناك شيئًا جديدًا في ما ندركه. هل... هل ما أقوله واضح؟

فريمان: واضح تمامًا. إن ما يلفت النظر في هذا الكتاب هو مركزية الصوت الذي يأخذك عبر تلك القصص، والتي تبتعد بدورها لتروي نفسها في دوائر جانبية، تسافر كل منها مسافة خمس صفحات، أحيانًا أقل، وأحيانًا أكثر، وفي اللحظة التي تكتسب فيها الزخم الثقيل للتجربة المَعيشة، تنقطع ليعود الصوت وتبدأ مجموعة أخرى من القصص.
أولغا، في هذا الكتاب الكثير حول عينات من الجسد البشري، سواء أكانت محفوظة في الفورمول أم مستنسخة في الفن، أم مبتورة. لديَّ فضول، من الواضح أن لديك اهتمامًا كبيرًا بالجسد، فمتى اكتشفتِ طريقة لربط هذا الأمر بالأسئلة المجازية والميتافيزيقية الخاصة بالترحال والحركة؟ لأن هذا الارتباط، في نظري، لم يسبق له مثيل على الإطلاق، بين تقدم الجسد عبر الزمان والمكان في حياتنا، ورغبتنا في جعله خالدًا عن طريق حفظه في عينة، وبين حركتنا في العالم، وطريقتها في جعلنا نشعر باللامحدودية.

توكارتشوك: أتمنى لو استطعت الإجابة عن هذا السؤال، لكنني بصراحة لا أذكر متى حدث ذلك، متى بدأت أربط بين هذين الأمرين. لقد كُتب الكتاب قبل اثني عشر أو ثلاثة عشر عامًا على ما أظن. أعتقد أن بداية هذه الفكرة كانت عند أزمة منتصف العمر لديَّ. أتذكر لحظة في حياتي كنت جالسة في غرفة الانتظار قبل الدخول إلى الطبيب وإجراء بعض الفحوصات، فحوصات دم أو أيًّا كان، ثم أدركت أنني أعرف أشياء كثيرة عن الفضاء الخارجي مثل أماكن الكواكب، والعديد من الأشياء عن جغرافية الأمازون وما إلى ذلك، لكنني لا أعرف كيف يعمل كبدي، أو ما هو لون معدتي، أو كيف تسير عروقي تحت جلدي. أدركت أنه نقص مروع في المعرفة، وأن جهلنا بأجسادنا لا بد أن يكون مرضًا رهيبًا.
بعد ذلك، في أثناء السفر وإجراء أبحاث لهذا الكتاب، وجدت هذا الهوس الذي استقر في هولندا بالذات. لقد شعروا قبل ثلاثمئة سنة بمثل ما شعرت به في غرفة الانتظار هذه. ما الذي يحدث في أجسادنا؟ ولم هو لغز ضخم بالنسبة إلينا؟ ثم بدأت دراسة تاريخ التشريح. حمدًا لله أنني كنت في ذلك الوقت في منحة دراسية في أمستردام، فقضيت سنة واحدة في دراسة تاريخ التشريح. والنقطة الحاسمة في هذا الكتاب، وقد اكتشفتها بالصدفة، هي صدور الكتابين الكبيرين في الوقت نفسه من العام نفسه، 1574. الأول، وهو الأشهر، يخبرنا كيف نشأ الكون وكيف يعمل، وفي الوقت نفسه نُشر أطلس فيزاليوس للجسد البشري، فجرى تواصل بين هذين العالمين المصغرين عند هذه النقطة والسنة بالذات. يعتمد الكتاب على الحدس أيضًا، لذلك يكون من الصعب جدًّا في بعض الأحيان شرح ما أعنيه حقًّا وكيف ابتكرته. لكن نعم، هذا هو الغامض في كتابة مثل هذا الكتاب، أنك يجب أن تثق بحدسك. أحيانًا يكون هذا الحدس مجنونًا، وأحيانًا تشعر بأن لديك هوسًا، وقد يكون شيئًا مضطربًا، لكنك تمضي قُدمًا على أي حال.

فريمان: أحد علماء التشريح في الكتاب، بعد أن شرَّح -نسيت إن كان إنسانًا أو حيوانًا- كان مطمئنًّا نوعًا إلى أن الجسم مجرد آلة. وأتساءل عما إذا كنت تتفقين مع ذلك. رأيت شخصًا يموت وكان رد فعلي الأول هو "آه، كأنه آلة مقدسة"، وكان هذا مريحًا نوعًا ما. ألا توافقين؟

توكارتشوك: لا، لا أوافق. تبدو لي وجهة نظر بائدة، مثل بداية عصر التنوير عندما بدأ الناس يفكرون في العالم على أنه مجموعة من الآليات والدمى والقواعد. لكنني أعتقد أنه ما زال لغزًا، حتى إذا كان لدينا العلم ونعرف إلى حد ما كيف يعمل الدماغ، يظل هناك الكثير من الحقول المجهولة بالكامل، ما زلنا لا نعرف الأسئلة الكبرى في عصرنا: كيف يعمل الوعي؟ لماذا نملك هذا الشعور بأننا منفصلون عن بقية الواقع؟ لماذا نشعر بأن بعضنا منفصل عن بعض؟ نعم، يمكنني القول إن الوعي ما زال شيئًا شديد الغموض.

فريمان: هناك مشهد لشخصية تجلس على متن طائرة مع عالم فيزياء فلكية يدرُس المادة المظلمة. هذا الكتاب مليء بالكثير من المعلومات المخيفة، وفي تلك المحادثة معلومة مفادها أن المادة المظلمة الموجودة في الكون أكثر من المادة المرئية، ينظر الفيزيائي بعدها إلى النافذة ويقول: "نحن لا نعرف لماذا هي موجودة حتى"، كما لو أن الطائرة تحلق خلالها. هذا النوع من المعلومات يثير سؤالًا: هل حركتنا في الكون مبنية على الغموض، لكن على قليل من الإيمان أيضًا؟ الإيمان بأمن الكون، أم أن هذه سذاجة؟

توكارتشوك: لا أعرف. بصفتي كاتبة، لدي شجاعة طرح الأسئلة دون العثور على إجابة لها، وإلا لوجب عليَّ أن أغير عملي وأحاول أن أصبح عالمة. أما أن أكون كاتبة، فتلك هي الحرية الأفضل، أسأل فقط وأظهر أشياء غريبة. نعم، أرجوك فكر في أثناء قراءة هذا الكتاب، اسأل نفسك عما يحدث فقط.

فريمان: سأطرح سؤالًا أو اثنين بعد، وأظن أن لديك بعض الأسئلة أيضًا. أحد الأشياء الرائعة في "رحَّالة" هو كمية الحيوات المختلفة التي تخلقها بسرعة كبيرة، وهي مقنعة تمامًا، ثم تتركها كما لو كان ذلك سهلاً. يشبه الأمر تفاعلات عابرة خاطفة مع أشخاص مثيرين للاهتمام بحق، تضطر بعدها إلى أن تقول وداعًا، في طائرة، في قطار، في محطة الحافلة.
لنأخذ عددًا قليلًا منهم. هناك رجل في عطلة مع زوجته وطفله في جزيرة بالقرب من كرواتيا، ويختفي الطفل والزوجة. هناك رجل يجب بتر ساقه، ويصاب بمتلازمة الساق الوهمية. هناك رجل آخر مهووس بالفرج ويلتقط صوراً للفتيات القاصرات على ما أظن، لكنه يُجري في الوقت ذاته بحثًا ما في علم التشريح، كأنه يسعى إلى شيء ما. والكثير من الأشخاص في هذا الكتاب يبحثون عن شيء مفقود. أتساءل عما إذا كان بإمكانك التحدث عن قدرتنا على سرد الغياب، وأين تنهار هذه الوظيفة السردية وتصبح هوسًا. لأنني أعتقد أن الهوس عكس السرد. الهوس تكرار الجملة مرارًا، في حين أن السرد فيه بعض التفصيل.

توكارتشوك: لا أتفق معك. أعتقد أن الهوس سرد، لأن التعاطف تكرار، أما الهوس... لا يمكن كتابة هذا الكتاب دون هوس. أنا أعمل على الهوس.

فريمان: وأنا كذلك! (يضحك).

توكارتشوك: نعم، حتى إن لديَّ طقوسًا لأضع نفسي في حالة هوس، إنها تشبه التعويذة بطريقة ما. أكبر هوس في حياتي كان مرتبطًا بـ"كتب يعقوب". هوس لمدة ثمان سنوات، هل يمكنك أن تتخيل قراءة الأشياء المرتبطة بالقرن الثامن عشر دون غيرها، الرجوع فقط إلى اليهود والثقافة اليهودية والدين والتصوف وبداية عصر التنوير في أوروبا الوسطى؟ لكنه كان هوسًا صعبًا للغاية، حمدًا لله أنني نجوت منه، وكانت نتيجة الهوس هي الكتاب. لذلك أومن بالهوس، إنه شيء إيجابي للغاية. نحن نعلم أنه يمكن أن يدمرنا، لكنه في نظري حفاظ على الطاقة عند نقطة واحدة، ويمكن لذلك أن يكون مؤلمًا، لكنه مثمر للغاية أيضًا.

فريمان: هذا وصف جيد للصلاة، الحفاظ على الطاقة عند نقطة واحدة. في هذا الكتاب يوجد الكثير من الأشخاص في مهام شبه روحية؛ رجل يذهب إلى الهند لأنه يريد أن يجد الشجرة التي وصل بوذا إلى الاستنارة تحتها، وهناك أشخاص يتحدثون أو يسألون -أعتقد أن الصلاة هي السؤال عن الإله، والقسَم هو الحديث معه- وقد خرجت من هذا الكتاب برغبة ملحَّة حقًّا في أسألك إذا كنت تؤمنين بوجود إله.

توكارتشوك: (وقفة) أي نوع من الآلهة؟ (تضحك).

فريمان: أترين؟ هذا تمثيل للكتاب! (يضحك) لا، لا أعتقد أنني أسأل عن لحية كبيرة طويلة مع الكثير من الكتب وصواعق البرق والعقاب والعار. لنقل، قوة منظمة مبدعة؟

توكارتشوك: نعم، بالتأكيد. في تلك الحالة نعم، أنا مؤمنة. لكنني حتمًا لا أعتقد أنه شيء مشابه للبشر. بالتأكيد لا. ربما هو أو هي لا يفهم عندما نتحدث عنه أو عنها.

فريمان: سؤال أخير. بما أن عنوان هذا الكتاب "رحَّالة"، وهو يجعلني أرغب في السفر لأنها تتحدث كثيرًا عن الرحلات الموجودة في الكتاب كحجج، وعندما تنظر إلى تنقلاتك اليومية كحجٍّ تبدأ برؤية المخلفات على الطريق بطريقة مختلفة. لو كنا نجلس أمام إحدى تلك الشاشات العملاقة للرحلات المغادرة وأمكنك أن تنظري إلى لوحة لانهائية، ما اسم المدينة الذي سيجعلك ترغبين في ركوب الطائرة؟

توكارتشوك: يجب أن أفكر قليلًا. لا أعرف، حقًّا. لقد تغيرتُ كثيرًا خلال هذه السنوات العشر أو الاثنتي عشرة الماضية. لديَّ الآن منزل في الجزء الجنوبي من بولندا، وهو ذيل صغير على خريطة أوروبا. هذا الجزء لم يكن ينتمي إلى بولندا في التاريخ، لقد حصلنا عليه قبل الحرب العالمية الثانية كهدية من اتفاقية يالطا لأننا فقدنا أرضًا ضخمة في الشرق كما تعلم. أنا إذًا أعيش هناك ولدي منزل قديم، وهو قيد التجديد الآن، وكل يوم أتصل بزوجي من الولايات المتحدة وأسأله عن السقف والأنابيب والنوافذ وما شابه. لذلك أعتقد أنني أحلم بالعودة إلى هناك والعناية بتلك التجديدات. (تضحك). اتجاه مختلف تمامًا!

ليست هناك تعليقات