ضع اعلان هنا

اخر الأخبار

وحش الوحدة، أنهرب منه أم نتعايش معه؟

الوحدة، تلك التجربة الثقيلة التي نخوضها، لا أحد يعرف على وجه اليقين، إذا كانت الوحدة متأصلة فينا منذ الولادة، أم أنه شيء يحدث بمجرد انفصالنا عن أمهاتنا، عندما نتم الخامسة على أقرب تقدير، فيما قبل ذلك، نحظى بقبول غير مشروط، وكَمّ كبير من المشاعر الدافئة دون أن نفعل أي شيء بالمقابل.

ولكن العلم يقول إن الوحدة شعور بيولوجي متأصل فينا كالجوع، فالأمر له مرجع تاريخي، ففي الأزمنة الأولى كانت الوحدة مؤشرًا على الهلاك، فإذا تركت المجموعة التي تنتمي إليها، فأنت عرضة للخطر، ومن هنا تطوّر الأمر حتى تأصل في روح الإنسان المعاصر.

نحن نتعرف على الوحدة في مرحلة مبكرة من حياتنا، نعرف بأنها تجربة مؤلمة وموحشة ولذلك نفعل أيّ شيء لتجنبها والهروب، ولكن ماذا لو تعايشنا معها و توقفنا عن الركض منها واتخذنا منها صديقة.

في البداية دعونا نتعرف على الوحدة

اختلف الكثيرون في تعريف الوحدة ووصفها، فتقول الكاتبة أوليفيا لاينج بأنها الرغبة بإيجاد الألفة، الحاجة إلى التعبير عن أنفسنا، ومشاركة أفكارنا ومشاعرنا. وقد تهاجمنا الوحدة ونحن مع من نحب، يقول الفيلسوف الرواقي أبكتيوس (وجود المرء بين الجموع لا ينفي عنه بالضرورة صفة الوحدة ) فهي مؤشر قوي على عدم كفاية القرب، أو انعدامه حتى مع من نحب.

مسببات الوحدة

(وحيدًا بين الجموع، جائعًا للرفقة ولكنه يرتعد من القرب) 

  • قد تكون الوحدة بسبب نَبْذٍ تعرض له الفرد، بسبب مظهره، مستواه المادي أو الوظيفي، أو حتى بسبب أفكاره.
  • الهوس والرغبة في الامتلاك الذي يفشل في تحقيقه.
  • عدم القدرة على قبول الرفض وصعوبة الانسجام أو تحمل الخسارة.
  • التعرض لعنف والإحساس بعدم القيمة.
  • الانفصال المفروض عليك بسبب السفر أو ظروف العمل أو الزواج بعيدًا عن الأسرة والأصدقاء.

للوحدة تأثيرات نفسية سيئة، فكلما أصبحت أكثر وحدة، كلما قلّت قُدرتك على التعامل مع الظروف الاجتماعية وفهمها بشكل مناسب. أصبحت أكثر حساسية وانتباه لتصرفات الآخرين، وتفسيرها بشكل خطأ، فترى العالم بالعين العدائية، ثم تصبح أنت أكثر عدائية وانعزالًا مع العالم. فالوحدة مشاعر تراكمية تحيطك،ثم بالوقت تمنع عنك التواصل حتى لو رغبت فيه. فهي بإمكانها أن تسحق الأشخاص إذا استمرت لوقت أكثر من اللازم وليس هذا فقط، ولكن تأثيرها يشمل الجسم أيضًا، و خصوصًا وإذا كان القلق المصاحب لها مزمنًا وليس حادًّا.

تأثيرات الوحدة على الجسم

  • الأشخاص الذين يعانون من الوحدة لا ينامون جيدًا.
  • تؤثر على ضغط الدم، وتعجّل بالشيخوخة.
  • تضعف الجهاز المناعي، حيث يؤدي القلق المصاحب لها والعزلة التي تفرضها إلى انخفاض عدد الخلايا التائية المسؤولة عن مناعة في الجسم.
  • تمهد لتدهور القوى العقلية والمعرفية.
  • وفي النهاية الوحدة ستؤدي إلى هلاكك والتعجيل بموتك، فهي شلال قاتم لا ينتهي.

إذًا كيف نقاوم الوحدة؟

كيف نجعل منها أمر مرغوب و خصوصا اذا فرضت علينا؟ في البداية أعلم بأن وقت المشاعر (المبهجة أو التعيسة) لا يدوم إلى الأبد. فأنت يمكنك أن تصنع عالمك الخاص، وليس هذا فقط، وتجد من يشبهك لتبدد معه الوحدة. ثم، ابدأ في تفحص نفسك، هل تبالغ حقًّا في ردّة فعلك تجاه الأمور، هل تبالغ في حماية نفسك خوفًا من الأذى. يمكنك أن تكتب أيضًا عن قلقك ومشاعرك المضطربة، لتلاحظ نفسك بشكل مكثّف. أليس من الممكن أن تصبح أكثر انفتاحًا، تقبل دعوة صديقك على حفلته، أو ترد على مكالمات أصدقائك وعائلتك، تعطي الفرصة لنفسك بأن تكون مقبولًا ضمن نطاقك الاجتماعي.

التأمل من العلاجات الجيدة التي يمكنك أن تمارسها بشكل يومًا، بجانب تمارين اليوجا، تساعد ذهنك على التفتح والتفكير بشكل أفضل. راقب أكْلَك، حيث يُؤَثِّر الأكل على حالاتنا المزاجية، ومدى قدرتنا على ارتكاب الحماقات، حاوِل أن تتَّبع نظامًا غذائيًّا صحيًّا.

مواعيد نومك، من يعانون الوحدة يعانون من تناقص مستمرّ في ساعات النوم، يمكنك أن ترهق جسدك ببعض التمارين الرياضية والاستحمام بماءٍ بارد لإنعاش الجسم، وخلق حالة نفسية أفضل تساعدك على النوم، وفي النهاية ستحصل على جسد قوي ومتناسق.

يمكنك أن تبدأ في تعلم شيء جديد، بتطوير نفسك، سيحقق لك نوعًا من الامتلاء، تستطيع من خلاله بأن ترى نفسك بشكل أفضل. اعلم بأن الوحدة لن تتبدد بوجود حبيب أو صديق، الوحدة تتبدد منك، عندما تفهم نفسك وتصبح صديقًا جيدًا وودودًا لها. هنا الأمور ستختلف. فقط اعلم بأنك لست وحدك، وبأننا جميعنا نشعر بالوحدة، ولكن بالمحاولة وبعض الانفتاح والحب الذي نمنحه لأنفسنا سنجد الطريق.

معاناة أقل ورحابة أكثر، فقط لا تكف عن المحاولة.

Sarah Mustafa 

ليست هناك تعليقات