حوار مع إيان ماك إيوان عن الأرشيف
بقلم: إيان ماك إيوان ترجمة: الاء نحلاوي
تحدث مركز هاري رانسوم مع إيان ماك إيوان عن الأرشيف، الأدب البريطاني المعاصر، العلم والعلوم الإنسانية، وأين نجد الجنة على الأرض.
هل يمكن للأرشيف أن يخبرنا شيئًا عن أعمالك لم نكن نعرفه مسبقًا؟
بالطبع. أولًا، المسودات العديدة لكل عمل تظهر لأي قارئ مهتم كيفية تطور الأفكار نحو شكلها النهائي. يميل الكاتب إلى نسيان الطرق التي تخلى عنها خلال الكتابة، أحيانًا يأخذ الطريق نحو الرواية المنتهية التفافات مفاجئة، ونادرًا ما يسلك في تطوره خطًا مستقيمًا. روايتي “الكفارة” على سبيل المثال، بدأت كقصة خيال علمي تقع أحداثها بعد قرنين أو ثلاث في المستقبل.
ثانيًا، هناك كمية لا بأس بها من المعلومات الشخصية في هذا الأرشيف. لستُ من الكتاب الذين يستخدمون حياتهم لتدوينها في الأدب بشكل مباشر، جون أبدايك هو أفضل مثال على ذلك، أما رواياتي فهي -وسأستعير عبارة أبدايك الرائعة- مفصولةٌ “بقفزة فارس” عن حياتي، وأظن أن الأرشيف سوف يظهر هذه الروابط الدقيقة.
هل قمت باستخدام الأرشيف من قبل لإجراء أبحاث من أجل أي من رواياتك؟
نعم، من أجل الفيلم السينمائي “لعبة المحاكاة” عدت إلى أرشيف متحف الحرب الامبراطوري في لندن. استخدمت المصدر نفسه من أجل “الكفارة” معتمدًا بشكل كبير على أوراق بحثية غير منشورة عن جنود الانسحاب من دنكرك، واستفدت أيضًا من رسائل عديدة غير منشورة لممرضات عالجن جنودًا أصيبوا خلال ذلك الانسحاب.
ما هي باعتقادك قيمة الأرشيف؟
تم مؤخرًا منحي ميدالية مكتبة البودليان في جامعة أوكسفورد، وعُرضَت عليّ عُقب استلامها بعض محتويات أرشيفهم التاريخي الغني. كم كان مؤثرًا أن أحمل بين يدي دفترًا يعود لجين أوستن ذات السبعة عشر عامًا، ثم أقلب صفحات المسودة الأولى لرواية كافكا “المسخ”. يأخذك الأرشيف مباشرة إلى قلب التكوين الأدبي، وينشئ ارتباطًا عاطفيًا يستطيع أي شخص يعشق الأدب أن يفهمه، إنها تجربة تبهج الحواس. وإلى جانب ذلك بالطبع، تعتمد الأعمال النقدية والسير الذاتية للكتّاب اعتمادًا كاملًا على مصادر من سجلات ذات مستوى عالمي مثل مركز رانسوم.
ما تعليقك على ما يبدو وقتًا مميزًا للأدب البريطاني؟ كيف تفسر هذا الازدهار الإبداعي؟
على افتراض أنك على حق، جزء من ذلك بنظري يعود إلى الهجرة الداخلية من جميع أطراف الامبراطورية القديمة، حيث أسهمت في تجديد اللغة. وجزء آخر أيضًا، أن الجيل الشاب اليوم إذ يسافر كثيرًا ويتشرب كل أنواع المؤثرات، استطاع أن يتحرر من ضيق الأفق القاتل للأجيال السابقة. وخلال السنوات الثلاثين الماضية تمكن الكتاب البريطانيون من الاستفادة من جماليات الحداثة وما بعد الحداثة، دون أن يكونو مقيدين بها، بعبارة أخرى، تم الحفاظ على مزايا القرن التاسع عشر في السرد القصصي وتكوين شخصيات قابلة للتصديق.
ما الذي ينتظر القراء في روايتك القادمة “قانون الأطفال”؟
إنها تحكي عن قاضية يتوجب عليها أن تقرر مصير مراهق من شهود يهوه، والذي يرفض -بسبب معتقده- عملية نقل دم يمكن أن تنقذ حياته.
روايتك “الكفارة” تروى من منظور برايوني؛ كيف استطعت أن تصور بمهارة مشاعر أنثى، وفي مراحل مختلفة من حياتها؟
إلى جانب معرفة عدد من النساء والفتيات من مختلف الأعمار بشكل جيد، يجب ألا ننسى أن الدخول إلى عقول الآخرين واحد من الممارسات الروتينية للكاتب، وعليه فإن عقول الرجال ليست أقرب إليّ أو أبعد عني من عقول النساء.
تَعتبر ثقافتنا أحيانًا العلمَ والعلومَ الإنسانيةَ مجالين متناقضين، لكن رواياتك تأخذ أبطالها باستمرار إلى عوالم علمية. ما تعليقك على هذا الانفصام في ثقافتنا وكيف عالجته في رواياتك؟
تحمل الجامعات مسؤولية كبيرة في تعميق هذا الشرخ. نحن بحاجة إلى تعليم متكامل، والمجالان يكمل أحدهما الآخر في الكثير من الجوانب. من أجل المختصين بالعلوم الإنسانية، هناك الكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام في العلوم البيولوجية خاصةً والتي يمكن أن تطور فهمنا للطبيعة البشرية، وهو شيء مفصلي في دراسة الفنون الإبداعية. نحن الفنانون الجهلة نحتاج إلى تمارين في الرياضيات والفيزياء لنكتشف المعنى الحقيقي للمعضلة الفكرية.
أما العلماء، فهم بدورهم بحاجة للاستفادة من الإرث الرائع للفنون، فما تم تخيله عن أوضاعنا عبر القرون هو مصدر أساسي. والعلم أيضًا بحاجة إلى أن يشجع ويحيي آثار الأدب العلمي، فعلماء مثل ليوناردو دافنشي وفرانسيس بيكون وإدوارد أوزبورن ويلسون وستيفن وينبرغ قد كتبوا بشكل باهر عن عالمنا. العلماء الشباب أيضًا مضطرون لتعلم كيفية التواصل بوضوح، ودراسةُ موضوع نظري مثل التاريخ أو اللغة الانكليزية قد تكون تمرينًا ممتازًا على ترتيب الأفكار والتعبير عنها.
هل هناك شخصية أدبية معينة تشعر بأنك تشبهها؟
تجذبني شخصية ليفين في آنا كارنينا، جزء من ذلك بسبب حبه للأماكن المفتوحة والحوارات الملحّة وولعه بالحياة العائلية. قدرته على السعادة ووصفه لتقلباته العاطفية بدقة صفاتٌ تثير إعجابي.
كيف تؤثّر هواية المشي على عملية الكتابة لديك؟ وما هو مكانك المفضل للمشي؟
النزهات الطويلة مشيًا تصفي الذهن، أحاول ألا أفكر كثيرًا بالكتابة -رغم أن ذلك ليس ممكنًا دائمًا- وأترك نفسي ليستحوذ عليها جمال المكان. النزهات طريقة للاستغراق تمامًا في الحاضر، ولنتذكر أن الأرض، رغم كل مخاوفنا من التدهور البيئي وتغير المناخ، لا تزال مكانًا جميلًا، واجتيازه على الأقدام شرفٌ وبهجة. أما أماكني المفضلة فهي أكثر من أن تُعد؛ جبال الألب، منطقة البحيرات في انكلترا، بيغ سور في كاليفورنيا، نيوميكسيكو، أريزونا، حديقة جوشوا تري الوطنية، تلال تشلترن جنوب انكلترا، كورسيكا، شمال غرب اسكتلندا… الجنة موجودةٌ على الأرض وهي في متناول الجميع.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق