ضع اعلان هنا

اخر الأخبار

ما هي المسودة؟


لا توجد قاعدة صارمة، ولكن النمط المعتاد هو حوالي ثلاث مسودات.


  • قلمستيفن كوتش
  • ترجمةإيمان معروف

ما هي المسودة؟

إنّ "المسودة" هي نسخة من مشروعك الكامل، مكتوبة من البداية إلى النهاية. وقد تكون مسودة قصة قصيرة كاملة، رواية كاملة، مذكرات كاملة، فصل كامل، مقالة كاملة، أو أيّ شيء كامل من أيّ شيء. كلمة المفتاح هي كامل. والحركة المكتملة ما بين البداية والنهاية هي من تمنح المسودة هويتها. ولن تحصل عليها إلا بعد أن تقطع هذه المسافة كاملةً. لا تخدع نفسك بالادعاء أنه كان من المألوف في زمن الآلة الكاتبة أن تبعثر  ستاً وعشرين ورقة كي تتمكن من مراجعة صفحة واحدة. فتلك لم تكن ست وعشرون مسودة. بل كانت صفحة مشتتة ضعيفة أغلب الظنّ.

كتابة ثمينة ولمرة واحدة. إنّ من يكتبون مسودة مفردة هم أقليّة بين الكتاب، لكن صفوفهم تضم بعضاً من الأشخاص المميزين.

      عندما يصل كيرت فونيغت إلى نهاية المسودة الأولى لكتابٍ ما، فهذا يعني أنّه أنجز  كتابه وأصبح جاهزاً للطباعة. وعندما تكمل سوزان سونتاغ صفحةً (في خيالها على الأقل)، تنتقل إلى الصفحة التالية، وفي اليوم التالي إلى التالية، فالكتابة برأيها: تُعاش كما تعاش الحياة". وقد اعترف جون أبدايك في شبابه بذلك قائلاً: "أنا... لا أغيّر الكثير، ولم أكن يوماً من بين أولئك الذين يضعون خطوطاً عريضة أو يستحضرون فقرات كاملة أو يستسلمون للكثير من المعاناة. إذا استرسلت الأفكار فسوف استرسل معها وإن وجَدَت ما يعيق تقدمها فسوف أتوقف وأبتعد لبعض الوقت".

    وتعد الكاتبة سينثيا أوزيك من بين أصحاب المسودة المفردة أيضاً. فحين تنجز كتابة جملة واحدة، تنتقل إلى الجملة التالية، ثم التالية، ولا تعود إلى الوراء. ويقول شيلبي فوت، وهو أيضاً من كلاسيكيي المسودة المفردة: "لست مضطراً للمراجعة في النهاية، فالمراجعة تفطر القلب". وأكّد أنتوني برجس: "إن مراجعة كتاب بأكمله من شأنها أن تدفعني للشعور بالملل". ويُقال أنّ توماس مان خطّ صفحة أو صفحتين كل يوم كنسخة نهائية باعتباره من أصحاب المسودة المفردة - رغم أنني أذكر أنه أشار في مقطع من مذكراته إلى وضع خطط لإجراء مراجعات هامة على عمله ’’الجبل السحري‘‘

      إنّ المسودة المفردة ليست بالضرورة صنواً للكتابة المستهترة أو حتى الكتابة السريعة. بل على العكس من ذلك، أمضى فلوبير خمس سنوات في تكريس أيام طويلة لفقرة واحدة والعديد من الساعات لسطر واحد. إلى أن أبدع الكمال في رائعته "مدام بوفاري" من خلال ما يكاد أن يكون مسودة مفردة..

      من الواضح أنّ معظم المسودات المفردة تمضي قدماً بوتيرة بطيئة للغاية، وهي غالباً أبعد ما تكون عن العشوائية والمصادفة. إلا أنّ أشهر المسودات المفردة في العصور الحديثة كانت السرعة عنصراً جوهرياً فيها. فقد حول جاك كيرواك رفضه للمراجعة إلى مبدأ رومانسي أصيل. وعلى الرغم من وجود أدلة قاطعة على أن كيرواك نفسه قام بمراجعة كتابه "على الطريق"، فقد ادعى أن المراجعة أمر غير أخلاقي - أو خيانة للأمانة، وإهانة للكارما والعاقبة الأخلاقية. حيث يقول: "إنّ الامتناع عن مراجعة ما كتبته تمنح القارئ ببساطة فرصة الاطلاع على خلاصة ما يجول في عقلك أثناء ممارسة فعل الكتابة نفسه: أي أنك تقرّ وتعترف بآرائك حيال الأحداث بأسلوبك غير القابل للتغيير".

ومن أجل أن يثبت لنفسه أنّه لن ينحني أمام إغرائها، عمدَ كيرواك إلى طبع الكثير من أعماله بأسرع ما يمكن كما لو أنه يأمر أصابعه أن تطير على لفات طويلة من ورق الآلة الكاتبة الكهروميكانيكية (أو المبرقة الكاتبة Teletype) التي حولت كتاباته إلى صفحة واحدة لا نهاية لها.
   إنّ هروب كيرواك من المراجعة جعله يغوص في متاهات لفافاته الورقية ولم تكن تلك الطريقة الأكثر نجاحاً لصياغة المسودة المفردة لأعماله. معظمهم يراجعون كتاباتهم، ويراجعونها كثيراً. وهم الذين يتركون سلال مهملاتهم متخمةً بعشرات القتلى من الصفحات التي تحمل الرقم ست وعشرين.

    إنّ صاحب المسودة المفردة، في خضم سعيه صوب الكمال، قد يُنهي كتابة صفحة أو اثنتين في اليوم. أما ثلاث صفحات فذلك إنجاز مبهر.

    وربما لا تنطبق هذه الوتيرة على أسلوبك الشخصي، كما يقول جون إيرفينغ، وهو من أصحاب المسودات المتعددة، "أنا أكتب بسرعة كبيرة، وأعيد صياغة ما كتبته ببطء شديد. وقد تستغرق مني إعادة صياغة كتاب ما الوقت ذاته اللازم لكتابة مسودته الأولى". فبعض الأجزاء من أي عمل تصاغ بسلاسة أكثر من غيرها. وتبحر مع صفحاتٍ بعينها ولن تكون مضطراً إلى إضفاء أي لمسة عليها مرة أخرى. لكن مسودة سريعة أولى، كتلك التي يضعها كيرواك تحتاج دوماً إلى مراجعة موسعة وشاملة. لا ريب أنها ستحمل في طياتها كل السمات والفضائل، لكن من غير المحتمل أن تتمتع بالهيكل والجودة في شكلهما الكامل المطلوب.

 خطة المسودة الثانية.
مسودات متعددة. إذن كم عدد المسودات التي يجب وضعها؟ بقدر ما يتطلبه الأمر.

      لا توجد قاعدة صارمة، ولكن النمط المعتاد هو حوالي ثلاث مسودات. المسودة الوحيدة المهمة بالفعل هي المسودة النهائية، ولكن يبدو أن قاعدة المسودات الثلاث تتوافق مع الوتيرة الأساسية لعملية الكتابة. أولاً تأتي الفكرة؛ ومن ثمّ يأتي الإنشاء؛ وثالثاً يأتي الصقل.

     وعبّر برنارد مالامود عنها على النحو التالي: "المسودة الأولى تضع {القصة} ضمن سياقها. والثانية تركّز، وتطوّر، وتمعن التفكير والتدقيق. ونتمكن مع الوصول إلى المسودة الثالثة من اجتثاث معظم الحشو الفارغ... والمسودات الأولى تجعلك تدرك عن أي شيء تدور أحداث روايتك. والمراجعة تعني العمل وفقاً لذلك الإدراك من أجل التوسع في فكرة ما أو تعزيزها أو إعادة تشكيلها... المسودة الأولى للكتاب هي الأكثر غموضاً ولا بدّ فيها من التسلح بالشجاعة والقدرة على قبول النقص والعيوب إلى أن تصبح أفضل". ويضيف مالامود، في عبارة تصل إلى قلب كل كاتبٍ متعدد المسودات: "أنا أعشق الثمار التي أجنيها بعد استدراك عثراتي".

       ويبدو من الواضح أن كتابة القصص القصيرة تمرّ غالباً بعدد أكبر من المسودات مقارنة مع الروايات. إذ يشير راي برادبري عن اضطراره لوضع ست أو سبع مسودات لقصصه قبل أن تصل لصيغتها النهائية وهو الأمر الذي أطلق عليه اسم "التعذيب الصرف" في حين ذكر ريموند كارفر إن "عمله الحقيقي" في كتابة قصة قصيرة يبدأ بعد ثلاث أو أربع مسودات. (بالمناسبة كان كارفر شغوفاً بالمراجعة: "إنّ أحب الأشياء إلى قلبي وضع الكلمات واستنباط الكلمات").

هل يبدو هذا مبالغاً به؟ حسناً، نعم، إنّ الكتابة مهنة شاقة، لكن قد يكون هناك بعض العزاء في معرفة أن واحدة أو ربما اثنتين من تلك المسودات قد تسير بسرعة. فالسمة المميزة لأي مسودة تقوم بها هي سرعتها.

ليست هناك تعليقات